الأربعاء الأحمر في الذاكرة والطقوس الإيزيدية

هذه المادة التوثيقية تأتي ضمن مشروع حكايات عتيقة الذي تنفذه منظمة تدمرتو للتنمية والتماسك المجتمعي بدعم من ديموس.

يُعد عيد الأربعاء الأحمر (Çarşema Sor) أهم وأقدس الأعياد الدينية لدى أبناء الديانة الإيزيدية. يحتفل به في أول أربعاء من شهر نيسان وفق التقويم الشرقي الإيزيدي، وهو ما يقابله عادة منتصف شهر نيسان (أبريل) بالتقويم الميلادي. تتجاوز رمزية هذا العيد كونه مجرد طقس ديني، إذ يعكس أبعاداً كونية وروحية وتاريخية تعكس صمود المجتمع الإيزيدي أمام محاولات الإبادة والطمس الثقافي عبر العصور.

دلالات التسمية والرمزية

اليوم الذي نزل فيه الملاك:

يرتبط العيد برواية دينية مفادها أن الملاك طاووس ملك نزل إلى الأرض ليُفعّل الخليقة بعد أن خلقها الله، أي ليملأها بالحياة والنظام.

. الأحمر كلون الحياة والخلق

يرمز اللون الأحمر في العقيدة الإيزيدية إلى أول الألوان التي ظهرت مع بداية الخلق، وهو مرتبط بالدم والنور والدفء، باعتبارها عناصر أساسية لانبثاق الحياة واستمراريتها.

. الأحمر كرمز كوني

في الموروث الإيزيدي، بدأ الكون من نقطة حمراء من النور انبثق منها الوجود، لذلك يُعد اللون الأحمر رمزًا للخلق والانبعاث.

الطقوس والاحتفالات

تبدأ مظاهر الاحتفال قبل يومين من يوم العيد، وتمتزج فيها الطقوس الروحية بالعادات الشعبية:

تحضير البيوض وتلوينها: البيضة رمز للكون، وسلقها يشير إلى تجمد الأرض، بينما تشقق قشرتها يرمز إلى ذوبان الجليد وعودة الحياة. يتم تلوين 12 بيضة بألوان الربيع تمثل الفصول الأربعة.

زيارة المقابر: في صباح الثلاثاء الذي يسبق العيد، يزور الإيزيديون قبور أحبائهم حاملين الفاكهة والحلوى لتوزيعها، في فعل تضامن ومحبة.

تعليق الزهور البرية: خصوصاً شقائق النعمان، حيث تُزين المنازل وتُضاء بالأنوار في إشارة إلى التجدد والبهجة.

إيقاد القناديل الزيتية: رمز للنور الإلهي، وتُعد الشعلة من الطقوس المركزية في بعض المزارات حيث لا تنطفئ.

الامتناع عن بعض الأفعال: مثل الحراثة أو الزواج في شهر نيسان، الذي يُعرف بـ”عروس السنة”، احتراماً لدورة الطبيعة.

الأبعاد الرمزية والتاريخية

يمثل عيد الأربعاء الأحمر رمزية عميقة للبقاء والمقاومة. فالإيزيديون الذين واجهوا حملات إبادة متكررة وتهجير قسري ظلوا متمسكين بهذا العيد كتعبير عن هويتهم وصمودهم. وهو رسالة إلى العالم بأن الهوية الإيزيدية حاضرة ومستمرة، وأن نور طاووس ملك يرمز للأمل في مواجهة الظلام.

تحديات الحفاظ على الطقوس

رغم مركزية العيد في تعزيز الهوية الإيزيدية، إلا أن المجتمع يواجه تحديات في ممارسته:

التهجير والشتات: تشتت الإيزيديين في العالم بعد هجمات تنظيم داعش أدى إلى ضعف الروابط التقليدية وصعوبة نقل الطقوس بين الأجيال.

الضغط السياسي والاجتماعي: غياب الاعتراف الرسمي والتمييز في بعض المناطق يعيق ممارسة الطقوس بحرية.

ضعف التوثيق والتعليم: اعتماد الطقوس على النقل الشفوي يعرّضها لخطر النسيان أو التحريف.

يمثل عيد الأربعاء الأحمر ركيزة أساسية في الهوية الدينية والثقافية للإيزيديين. وهوفعل مقاومة وصمود، يربط الماضي بالحاضر ويؤكد استمرارية مجتمع تمسك بجذوره رغم التهجير والتهميش. إنه عيد الخلق والنور والانبعاث، ورسالة متجددة بأن الإيزيدية هوية حية لا تنكسر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *